فصل: الأبلق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 مرباط

مدينة بين حضرموت وعمان وهي فرضة ظفار لأن ظفار مرساها غير جيد بها اللبان يحمل منها إلى سائر البلدان وهو غلة للملك‏.‏

أهلها عرب موصوفون بقلة الغيرة وذلك ان كل ليلة نساؤهم يخرجن إلى خارج المدينة ويسامرن الرجال الأجانب ويجالسنهم ويلاعبنهم إلى نصف الليل فيجوز الرجل على زوجته وأخته وأمه وهي تلاعب آخر وتحادثه فيعرض عنها ويمشي إلى زوجة غيره يحادثها‏.‏

وقال صاحب معجم البلدان‏:‏ رأيت بجزيرة قيس رجلاً عاقلاً أديباً من مرباط فقلت له‏:‏ بلغني منكم حديث أنكرته‏.‏

فقال‏:‏ لعلك تقول عن السمر فقلت‏:‏ نعم أخبرني أصحيح أم لا فقال‏:‏ إنه صحيح‏!‏ وبالله أقسم إنه لقبيح ولكن على ذلك نشأنا ولو استطعنا لأزلناه ولكن لا سبيل إلى إزالته‏!‏ مسور مخلاف باليمن بها قرى كثيرة ومزارع وأودية كثيرة من خواصها العجيبة أن البر والشعير والذرة يبقى بها مدة طويلة لا يتغير وذكر أنهم ادخروا حنطة فرأوها بعد ثلاثين سنة ولم يتغير منها شيء‏.‏

مقدشو مدينة في أول بلاد الزنج في جنوبي اليمن على ساحل البحر‏.‏

وأهلها عرباء لا سلطان لهم ويدبر أمرهم المتقدمون على الاصطلاح وحكى التجار أنهم يرون بها القطب الجنوبي مقارباً لوسط السماء وسهيلاً ولا يرون القطب الشمالي البتة وانهم يرون هناك شيئاً مقدار جرم القمر شبه قطعة غيم بيضاء لا يغيب أبداً ولا يبرح مكانه يحمل منها الصندل والآبنوس والعنبر والعاج إلى غيرها من البلاد‏.‏

 مقرى

قرية على مرحلة من صنعاء بها معدن العقيق ونيله من أجود أنواع العقيق حكى معالجوه أنهم يجدون قطعة نحو عشرين مناً فيكسر ويلقى في الشمس عند شدة الحر ثم يسجر له التنور بأبعار الإبل ويجعلونه في شيء يكنه عن ملامسة النار فسير منه ماء يجري في مجرى وضعوه له ثم يستخرجونه لم يبق منه إلا الجوهر وما عداه صار رماداً‏.‏

 مهرة

أرض باليمن قال ابن الفقيه‏:‏ بها شجرة إذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء فيمتليء منه الحياض والمصانع وإذا مرت الأشهر الحرم انقطع الماء‏.‏

منها النجائب المهرية وانها كريمة جداً ذكر أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله باليمن ليشتري له نجائب مهرية فطلبوا فلم يجدوا شيئاً فقدم رجل من بجيلة على جمل عظيم الهامة فساوموه فقال‏:‏ لا أبيعه فقالوا‏:‏ لا نغصبك ولا ندعك لكن نحبسك ونكاتب أمير المؤمنين حتى يأتينا أمره‏!‏ فقال‏:‏ هلا خيراً من هذا قالوا‏:‏ وما هو قال‏:‏ معكم نجائب كرام وخيل سبق دعوني حتى أركب جملي واتبعوني فإن لحقتموني فهو لكم بغير ثمن ثم قال‏:‏ تأهبوا‏.‏

فصاح في أذنه ثم أثاره‏.‏

فوثب وثبة شديدة فتبعوه فلم يدركوه‏.‏قال الليث‏:‏ هو أرض بين اليمن وجبال يبرين من محال عاد فلما أهلكوا أورث الله أرضهم الجن فلا يتقاربها أحد من الناس‏.‏

قال أهل لاسير‏:‏ هي مسماة بوبار بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وهي ما بين الشحر إلى صنعاء زهاء ثلاثمائة فرسخ في مثلها‏.‏

قال أحمد بن محمد الهمذاني‏:‏ وبار كانت أكثر الأرضين خيراً وأخصبها ضياعاً وأكثرها شجراً ومياهاً وثمراً فكثرت بها القبائل وعظمت أموالهم وكانوا ذوي أجسام فأشروا وبطروا لم يعرفوا حق نعم الله تعالى عليهم فبدل الله تعالى خلقهم وصيرهم نسناساً لأحدهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فخرجوا يرعون في تلك الغياض على شاطيء البحر كما ترى البهائم وهم فيما بين وبار وأرض الشحر وأطراف اليمن يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الديار بالكلاب ينفرونهم عن زروعهم وحدائقهم‏.‏

حكى ابن الكيس النمري قال‏:‏ كنا في رفقة أضللنا الطريق فوقعنا في غيضة على ساحل البحر لا يدرك طرفاه فإذا أنا بشيخ طويل كالنخلة له نصف رأس ونصف بدن وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فأسرع مثل حضر الفرس العتيق وهو يقول‏:‏ فررت من جور الشّراة شدّا إذ لم أجد من الفرار بدّا زعم العرب أن سكان أرض وبار جن ولا يدخلها إنسي أصلاً فإن دخلها غالظاً أو عامداً حثوا في وجهه التراب فإن أبى إلا الدخول خبلوه أو قتلوه أو ضل فيها ولا يعرف له خبر ولهذا قال الفرزدق‏:‏ ولقد ضللت أباك تطلب دارماً كضلال ملتمسٍ طريق وبار لا تهتدي به أبداً ولو بعثت به بسبيل واردةٍ ولا آثار منها الإبل الحوشية تزعم العرب أنها التي ضربها إبل الجن وهي إبل لم ير أحسن منها قال الشاعر‏:‏ كأني على حوشيّةٍ أو نعامةٍ لها نسبٌ في الطّير أو هي طائر حكي أن رجلاً من أهل اليمن يوماً رأى في إبله فحلاً كأنه كوكب بياضاً وحسناً فأقره فيها تى ضرب إبله فلما لقحها لم يره حتى كان العام المقبل وقد نتجت النوق أولاداً لم ير أحسن منها وهكذا في السنة الثانية والثالثة‏.‏

فلما ألقحها وأراد الانصراف هدر فاتبعه سائر ولده فتبعها الرجل حتى وصل إلى أرض وبار فرأى هناك أرضاً عظيمة وبها من الإبل الحوشية والبقر والحمير والظباء ما لا يحصى كثرةً ورأى نخلاً كثيراً حاملاً وغير حامل والتمر ملقى حول النخل قديماً وحديثاً بعضه على بعض ولم ير أحداً من الناس فبينا هو كذلك إذ أناه آت من الجن وقال له‏:‏ ما وقوفك ها هنا فقص عليه قصته وما كان من الإبل فقال له‏:‏ لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك‏!‏ وإياك والمعاودة فإن ذاك لفحل من إبلنا عمد إلى أولاده فجاء بها‏.‏

وأعطاه جملاً وقال‏:‏ انج بنفسك وهذا الجمل لك‏.‏

قالوا‏:‏ إن النجائب المهرية من نسل ذلك الجمل‏.‏

ورور حصن منيع في جبال صنعاء من استولى عليه يختل دماغه يدعي نبوة أو خلافة أو سلطنة ولما استولى عليه عبد الله بن حمزة الزيدي ادعى الإمامة وأجابه خلق من اليمن زعم أنه من ولد أحمد بن الحسين بن القاسم بن إسمعيل ابن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ورواة الأنساب يقولون‏:‏ ان أحمد لم يعقب وكان ذا لسان وبلاغة وله تصانيف في مذهب الزيدية وله أشعار منها‏:‏ لا تحسبوا أنّ صنعا جلّ مأربتي ولا ذمار إذا أشمتّ حسّادي واذكر إذا شئت تشجيني وتطريبي كرّ الجياد على أبواب بغداد اليمن بلاد واسعة من عمان إلى نجران تسمى الخضراء لكثرة أشجارها وزروعها تزرع في السنة أربع مرات ويحصد كل زرع في ستين يوماً وتحمل أشجارهم في السنة مرتين‏.‏

وأهلها أرق الناس نفوساً وأعرفهم للحق سماهم الله تعالى الناس حيث قال‏:‏ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إني لأجد نفس الرحمن من صوب اليمن‏.‏

أراد به نصرة الأوس والخزرج‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ الإيمان يمان والحكمة يمانية‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ أربعة أشياء قد ملأت الدنيا ولا تكون إلا باليمن‏:‏ الورس والكندر والخطر والعقيق‏.‏

وبها الأحقاف وهي الآن تلال من الرمل بين عدن وحضرموت وكانت مساكن عاد أعمر بلاد الله وأكثرها عمارة وزرعاً وشجراً فلما سلط الله تعالى عليهم الريح طمها بالرمل وهي إلى الآن تحت تلك الأحقاف جعلها الله تعالى عبرة للناظرين وخبرة للغابرين كما قال تعالى‏:‏ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها‏.‏

وبها قصران من قصور عاد ولما بعث معاوية عبد الرحمن بن الحكم إلى اليمن والياً بلغه أن بساحل عدن قصرين من قصور عاد وان في بحرها كنزاً فطمع فيه وذهب في مائة فارس إلى ساحل عدن إلى أقرب القصرين فرأى ما حولهما من الأرض سباخاً بها آثار الآبار ورأى قصراً مبنياً بالصخر والكلس وعلى بعض أبوابه صخرة عظيمة بيضاء مكتوب عليها‏:‏ غنينا زماناً في عراضة ذا القصر بعيشٍ رخيٍّ غير ضنكٍ ولا نزر يفيض علينا البحر بالمدّ زاخراً وأنهارنا بالماء مترعةٌ تجري خلال نخيلٍ باسقاتٍ نواضرٍ تأنّق بالقسب المجزّع والتّمر ونصطاد صيد البرّ بالخيل والقنا وطوراً نصيد النّون من لجج البحر ونرفل في الخزّ المرقّم تارةً وفي القزّ أحياناً وفي الحلل الخضر يلينا ملوكٌ يبعدون عن الخنا شديدٌ على أهل الخيانة والغدر يقيم لنا من دين هودٍ شرائعاً ويؤمن بالآيات والبعث والنّشر إذا ما عدوّ حلّ أرضاً يريدنا برزنا جميعاً بالمثقّفة السّمر نحامي على أولادنا ونسائنا على الشّهب والكمت المعانيق والشّقر نقارح من يبغي علينا ويعتدي بأسيافنا حتى يولّون بالدّبر ثم مضى إلى القصر الآخر وبينهما أربعة فراسخ فرأى حوله آثار الجنان والبساتين‏.‏

قال‏:‏ غنينا بهذا القصر دهراً فلم يكن لنا همّةٌ إلاّ التّلذّذ والقصف يروح علينا كلّ يومٍ هنيدةٌ من الإبل يعشو في معاطنها الطّرف وأضعاف تلك الإبل شاءٌ كأنّها من الحسن آرامٌ أو البقر القطف فعشنا بهذا القصر سبعة أحقبٍ بأطيب عيشٍ جلّ عن ذكره الوصف فجاءت سنونٌ مجدباتٌ قواحلٌ إذا ما مضى عامٌ أتى آخرٌ يقفو فظلنا كأن لم تغن في الخير لمحةٌ فماتوا ولم يبق خفٌّ ولا ظلف كذلك من لم يشكر الله لم تزل معالمه من بعد ساحته تعفو قال‏:‏ فعجبنا من ذلك ثم مضينا إلى الساحل الذي ذكر أن فيه كنزاً فأمرنا الغواصين فغاصوا وأخرجوا جراراً من صفر مطبقة بصفر فلم نشك انه مال حتى جمعت جرار كثيرة ففتحنا بعضها فخرج منها شيطان وقال‏:‏ يا ابن آدم إلى متى تحبسنا فبينا نحن نتعجب من ذلك إذ رأينا سواداً عظيماً أقبل من جزيرة قريبة من الساحل ففزعنا فزعاً فاقتحم الماء وأقبل نحونا فإذا هي قردة قد اجتمع منها ما لا يعلم عددها إلا الله‏.‏

وكانت تلك الجزيرة مأواها وأمامها قرد عظيم في عنقه لوح حديد معلق بسلسلة فأقبل إلينا ورفع اللوح نحونا فأخذنا اللوح من عنقه فإذا فيه كتابة بالسريانية وكان معنا من يحسن قراءتها فقرأها فإذا هي‏:‏ بسم الله العظيم الأعظم‏.‏

هذا كتاب من سليمان بن داود رسول الله لمن في هذه الجزيرة من القردة إني قد أمرتهم بحفظ هؤلاء الشياطين المحبسين في هذه الناحية في هذه الجرار الصفر وجعلت لهن أماناً من جميع الجن والإنس فمن أرادهن أو عرض لهن فهو بريء مني وأنا بريء منه في الدنيا والآخرة‏.‏

فأردنا أن نمضي باللوح إلى معاوية لينظر إليه فلما ولينا وقفت القردة كلها أمامنا وحاصرتنا وضجت ضجة فرددنا اللوح إليها فأخذته واقتحمت الماء وعادت إلى الجزيرة‏.‏

ومن عجائب اليمن ما ذكر ابن فنجويه أن بأرض عاد تمثالاً على هيئة فارس‏.‏

ومياه تلك الأرض كلها ملحة فإذا دخلت الأشهر الحرم يفيض من ذلك التمثال ماء كثير عذب لا يزال يجري إلى انقضاء الأشهر الحرم وقد تطفحت حياضهم من ذلك الماء فيكفيهم إلى تمام السنة قال الشاعر‏:‏ وبأرض عادٍ فارسٌ يسقيهم بالعين عذباً كالفرات السّائح في الأشهر الحرم العظيمة قدرها يغنون عن شرب الزّعاق المالح فإذا انقضى الشّهر الحرام تطفّحت تلك الحياض بماء عين السّافح وبها جبل الشب وعلى رأس هذا الجبل ماء يجري من كل جانب وينعقد حجراً قبل أن وبها جبل شبام قال محمد بن أحمد بن إسحاق الهمذاني‏:‏ إنه جبل عظيم بقرب صنعاء بينها وبينه يوم واحد وهو صعب المرتقى ليس إليه إلا طريق واحد وذروته واسعة فيها ضياع كثيرة مزارع وكروم ونخيل والطريق إليها في دار الملك وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك فمن أراد النزول إلى السهل استأذن الملك حتى يأذن بفتح الباب له وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا تسلك ولا يعلم أحد ما وراءها إلا الله‏.‏

ومياه هذا الجبل تنسكب إلى سد هناك فإذا امتلأ السد ماء فتح ليجري إلى صنعاء ومخاليفها‏.‏

وبها جبل كوكبان إنه بقرب صنعاء عليه قصران مبنيان بالجواهر يلمعان بالليل كالكوكبين ولا طريق إليهما‏.‏

قيل‏:‏ إنهما من بناء الجن‏.‏

وبها نهر اليمن قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بأرض اليمن نهر عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب وعند غروبها من المغرب إلى المشرق‏.‏

وبها العلس وهو نوع من الحنطة حبتان منه في كمام لا يوجد إلا باليمن وهو طعام أهل صنعاء‏.‏

وبها الورس وهو نبت له خريطة كما للسمسم ذكروا انه يزرع سنة ويبقى عشرين سنة‏.‏

وبها الموز وهي ثمرة شبيهة بالعنب إلا أنه حلو دسم لا تحمل شجرتها إلا مرة واحدة‏.‏وبها نوع من الكمثرى من أكل منها واحدة يطلق عشر مرات وان أكل اثنتين يطلق عشرين مرة وإن أكل ثلاثاً يطلق ثلاثين‏.‏

ويتخذ منه عسل يلعق منه صاحب القولنج فينفتح في الحال‏.‏

ويجلب منها سيوف ليس في شيء من البلاد مثلها ويجلب منها البرود اليمانية وقرودها أخبث القرود وأسرع قبولاً للتعليم‏.‏

وبها الغدار وهو نوع من المتشيطنة يوجد بأكناف اليمن يلحق الإنسان ويقع عليه فإذا أصيب الإنسان منه يقول أهل تلك النواحي‏:‏ أمنكوح هو أم مذعور فإن قالوا منكوح أيسوا منه وإن كان مذعوراً سكن روعه وشجع ومن الناس من لم يكترث به لشجاعة نفسه‏.‏

وحكي عن الشافعي أنه قال‏:‏ دخلت بلدة من بلاد اليمن فرأيت فيها إنساناً من وسطه إلى أسفله بدن امرأة ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرقان بأربع أيد ورأسين ووجهين وهما يتلاطمان مرة ويصطلحان أخرى ويأكلان ويشربان‏.‏

ثم غبت عنهما سنين ورجعت فسألت عنها فقيل لي‏:‏ أحسن الله عزاءك في أحد الجسدين‏!‏ توفي فربط من أسفله بحبل حتى ذبل ثم قطع والجسد الآخر تراه في السوق ذاهباً وجائياً‏.‏

ومنها أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني افتخار اليمن كان من أعلم الناس بالحلال والحرام له نسل بقزوين مشايخ وعلماء إلى الآن وهو جدي من قبل الأم ذكر يوسف بن اسباط أن طاووساً مر بنهر سلطاني فهمت بغلته أن تشرب منه فمنعها‏.‏

وذكر بشر بن عبد الله أن طاووساً مر بالسوق فرأى رؤوساً مشوية بارزة الأسنان فلم ينعس تلك الليلة وقال إن الله تعالى يقول‏:‏ تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون‏.‏

وقال منعم بن ادريس‏:‏ صلى طاووس اليماني صلاة الفجر بوضوء العتمة أربعين سنة‏.‏

توفي سنة ست ومائة بمكة قبل يوم التروية عن بضع وتسعين سنة‏.‏

وكان الناس يقولون‏:‏ رحم الله أبا عبد الرحمن حج أربعين حجة وصلى عليه هشام بن عبد الملك وهو خليفة حج تلك السنة‏.‏

ومنها أويس بن عامر القرني‏.‏

روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لله تعالى من خلقه الأصفياء الأحفياء الشعثة شعورهم الغبرة وجوههم الخمصة بطونهم الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذنوا وإن خطبوا المنعمات لم ينكحوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم وإن مرضوا لم يعادوا وإن ماتوا لم يشهدوا‏.‏

قالوا‏:‏ يا رسول الله كيف لنا برجل منهم قال‏:‏ ذاك أويس القرني‏!‏ قالوا‏:‏ وما أويس القرني قال‏:‏ أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين الكتفين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره رام ببصره إلى موضع سجوده واضع بيمينه على شماله يتلو القرآن يبكي على نفسه ذو طمرين لا يؤبه له متزر بإزار صوف ورداء صوف مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء لو أقسم على الله لأبر قسمه‏!‏ الا وان تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء الا وانه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد‏:‏ ادخلوا الجنة وقيل لأويس‏:‏ قف واشفع‏!‏ يشفعه الله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر‏.‏

يا عمرو ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما‏.‏

فكانا يطلبانه عشرين سنة فلما كان سنة هلك فيها عمر قام على أبي قبيس ونادى بأعلى صوته‏:‏ يا أهل الحجيج من اليمن أفيكم أويس فقام شيخ كبير وقال‏:‏ إنا لا ندري ما أويس لكن لي ابن أخ يقال له أويس هو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك‏!‏ وإنه ليرعى إبلنا حقين بين أظهرنا‏!‏ فقال له عمر‏:‏ إن ابن أخيك هذا عزمنا‏!‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فأين يصاب قال‏:‏ بأراك عرفات‏.‏

فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى فأقبلا إليه وقالا‏:‏ السلام عليك ورحمة الله وبركاته‏!‏ فرد عليهما جواب السلام‏.‏

قالا له‏:‏ من الرجل قال‏:‏ راعي إبل وأجير قوم‏!‏ قالا‏:‏ ما اسمك قال‏:‏ عبد الله‏.‏

قالا‏:‏ اسمك الذي سمتك أمك به قال‏:‏ يا هذان ما تريدان إلي قالا‏:‏ وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أويساً القرني وقد عرفنا الصهوبة والشهولة أخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء أوضحها لنا‏.‏

فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدرا يقبلانه وقالا‏:‏ نشهد أنك أويس القرني‏!‏ فاستغفر لنا يغفر الله لك‏!‏ فقال‏:‏ ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم ولكنه من في البحر والبر من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات‏.‏

يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما قال علي‏:‏ أما هذا فعمر أمير المؤمنين وأما أنا فعلي بن أبي طالب‏!‏ فاستوى أويس وقال‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وعليك يا علي بن أبي طالب فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً‏!‏ قالا‏:‏ وأنت جزاك الله عن نفسك خيراً‏!‏ فقال له عمر‏:‏ مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة وآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان ميعاد بيني وبينك‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم تعرفني ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة أما ترى علي إزاراً ورداء من صوف متى تراني أبليهما أما ترى أني أخذت رعائي أربعة دراهم متى تراني آكلها يا أمير المؤمنين إن بيتي يدي ويديك عقبة كؤوداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول‏!‏ فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض ثم قال بأعلى صوته‏:‏ يا ليت عمر لم تلده أمه‏!‏ يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها‏!‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا فولى عمر نحو ناحية مكة وساق أويس إبله فأتى القوم بإبلهم وخلى الرعاية وأقبل على العبادة‏.‏

وحكي أن أويساً إذا خرج يرميه الصبيان بالحجارة وهو يقول‏:‏ إن كان لا بد فبالصغار حتى لا تدموا ساقي فتمنعوني من الصلاة‏.‏

وحدث عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنه نادى يوم صفين رجل من أهل الشام‏:‏ أفيكم أويس القرني قلنا‏:‏ نعم‏!‏ ما تريد منه قال‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ أويس القرني خير التابعين بإحسان‏.‏

وعطف دابته ودخل مع أصحاب علي فنادى مناد في القوم‏:‏ أويس‏!‏ فوجد في قتلى علي كرم الله وجهه‏.‏

ومنها أبو عبد الله وهب بن منبه وكان الغالب عليه قصص الأنبياء وأخبار القرون الماضية والوعظ قال‏:‏ قرأت في بعض الكتب أن منادياً ينادي من السماء الرابعة كل صباح‏:‏ أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده‏!‏ أبناء الخمسين ماذا قدمتم وماذا أخرتم أبناء الستين لا عذر لكم‏!‏ ليت الخلق لم يخلقوا وإذا خلقوا علموا لماذا خلقوا‏.‏

قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم قال منعم بن ادريس‏:‏ إن وهب بن منبه صلى أربعين سنة صلاة الفجر بوضوء العشاء‏.‏

مات سنة أربع عشرة ومائة‏.‏

هذا آخر ما عرفناه من الإقليم الأول‏.‏

 الاقليم الثاني

هو حيث يكون ظل الاستواء في أوله نصف النهار إذا استوى الليل والنهار قدمين وثلاثة أخماس قدم وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار ثلاثة أقدام ونصف وعشر سدس قدم يبتديء من المشرق فيمر على بلاد الصين وبلاد الهند والسند ويمر بملتقى البحر الأخضر ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة والبحرين ثم يقطع بحر القلزم ونيل مصر إلى أرض المغرب‏.‏

ويكون أطول نهار هؤلاء في أول الإقليم ثلاث عشرة ساعة وربع الساعة وآخره ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع وأوسطه ثلاث عشرة ساعة ونصف وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف وثلاثمائة واثنا عشر ميلاً واثنتان وأربعون دقيقة وعرضه أربعمائة ميل وميلان واحدى وخمسون دقيقة ومساحتها مكسراً ثلاثة آلاف الف وستمائة ألف ميل وتسعون ألف ميل وثلاثمائة وأربعون ميلاً وأربع وخمسون دقيقة وأما المدن الواقعة فيها فسنذكرها مرتبة على حروف المعجم ما انتهى خبرها إلينا والله المستعان‏.‏

 الأبلق

حصن السموأل بن عاديا اليهودي الذي يضرب به مثل الوفاء والحصن يسمى الابلق الفرد لأنه كان في بنائه بياض وحمرة وهو بين الحجاز والشام على تل من تراب والآن بقي على التل آثار الأبنية القديمة بناه أبو السموأل عاديا اليهودي‏.‏

يقال‏:‏ أوفى من السموأل‏.‏

وكان من قصته أن امرأ القيس بن حجر الكندي لما قتل أبوه مر إلى قيصر يستنجده على قتلة أبيه وكان اجتيازه على الأبلق الفرد فرآها قلعة حصينة ذاهبة نحو السماء وكان معه أدراع تركها عند السموأل وديعة وذهب‏.‏

فبلغ هذا الخبر الحرث بن ظالم الغساني فسار نحو الأبلق لأخذ الدروع فامتنع السموأل من تسليمها إليه فظفر بابن السموأل وكان خارج الحصن يتصيد فجاء به إلى أسفل الحصن وقال‏:‏ إن دفعت الدروع إلي وإلا قتلت ابنك‏!‏ فقال السموأل‏:‏ لست أخفر ذمتي فاصنع ما شئت‏!‏ فذبحه والسموأل ينظر إليه وانصرف الملك على يأس‏!‏ فضرب العرب المثل في الوفاء‏.‏

وقال السموأل‏:‏

بنى لي عاديا حصناً حصيناً ** وماءً كلّما شئت استقيت

رفيعاً تزلق العقبان عنه ** إذا ما نابني ضيمٌ أبيت

وأوصى عاديا قدماً بأن لا ** تهدّم يا سموأل ما بنيت

 أجأ وسلمى

جبلان بأرض الحجاز وبها مسكن طيء وقراهم‏.‏

موضع نزه كثير المياه والشجر‏.‏

قيل‏:‏ أجأ اسم رجل وسلمى اسم امرأة كانا يألفان عند امرأة اسمها معروجا فعرف زوج سلمى بحالهما فهربا منه فذهب خلفهما وقتل سلمى على جبل سلمى وأجأ على جبل أجأ ومعروجا على معروجا فسميت المواضع بهم وقال الكلبي‏:‏ كان على أجأ أنف أحمر كأنه تمثال إنسان يسمونه فلساً كان طيء يعبدونه إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء الإسلام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في مائة وخمسين من الأنصار فكسروا فلساً وهدموا بيته وأسروا بنت حاتم‏.‏

ينسب إليها أبو سليمان داود بن نصير الطائي الزاهد العابد قيل إنه سمع امرأة عند قبر تقول‏:‏ مقيمٌ إلى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يرجى وأنت قريب تزيد بلىً في كلّ يومٍ وليلةٍ وتبقى كما تبلى وأنت حبيب كان ذلك سبب توبته‏.‏

وقيل‏:‏ إنه ورث من أبيه أربعمائة درهم أنفها ثلاثين سنة وصام أربعين سنة ما علم أهله أنه صائم‏.‏

وكان حرازاً يأخذ أول النهار غداءه معه إلى الدكان ويتصدق به في الطريق ويرجع آخر النهار يتعشى في بيته ولا يعلم أهله أنه كان صائماً‏.‏

وكان له داية قالت‏:‏ يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز قال‏:‏ يا داية بين أكل الخبز وشرب القنيت أقرأ خمسين آية‏!‏ وقال حفص بن عمر الجعفي‏:‏ إن داود الطائي مر بآية يذكر فيها النار فكررها في ليلة مراراً فأصبح مريضاً فوجدوه مات ورأسه على لبنة سنة خمس وستين ومائة في خلافة المهدي‏.‏

وينسب إليها أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر المفلق فاق على كل من كان بعده بفصاحة اللفظ وجزالة المعنى قيل إنه أنشد قصيدته في مدح المعتصم‏:‏ ما في وقوفك ساعةً من باس تقضي ذمام الأربع الدّرّاس فلما انتهى إلى المديح قال‏:‏ إقدام عمروٍ في سماحة حاتمٍ في حلم أحنف في ذكاء إياس قال بعض الحاضرين‏:‏ مه‏!‏ من هؤلاء حتى تشبه الخليفة بهم فأطرق أبو تمام هنيةً ثم رفع رأسه وقال‏:‏ لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً في النّدى والباس فالله قد ضرب الأقلّ لنوره مثلاً من المشكاة والنّبراس وحكى البحتري أنه دخل على بعض الولاة ومدحه بقصيدة قرأها عليه قال‏:‏ فلما تممتها قال رجل من الحاضرين‏:‏ يا هذا أما تستحي تأتي بشعري وتنشده بحضوري قلت‏:‏ تعني أن هذه القصيدة لك قال‏:‏ خذها‏!‏ وجعل يعيدها إلى آخرها‏.‏

قال‏:‏ فبقيت لا أرى بعيني شيئاً واسود وجهي فقمت حتى أخرج فلما شاهد مني تلك الحالة قام وعانقني وقال‏:‏ الشعر لك وأنت أمير الشعراء بعدي‏!‏ فسألت عنه قالوا‏:‏ هو أبو تمام الطائي‏.‏

وينسب إليها حاتم الطائي وكان جواداً شاعراً شجاعاً إذا قاتل غلب وإذا غنم نهب وإذا سئل وهب وكان أقسم بالله أن لا يقتل واحد أمه وكان يقول لعبده يسار إذا اشتد كلب الشتاء‏:‏ أوقد فإنّ اللّيل ليلٌ قرٌّ والرّيح يا واقد ريحٌ صرّ عسى يرى نارك من يمرّ إن جاءنا ضيفٌ فأنت حرّ وقالوا‏:‏ لم يكن يمسك إلا فرسه وسلاحه‏.‏

وحكي أنه اجتاز في سفره على عترة فرأى فيهم أسيراً فاستغاث بحاتم فاشتراه من العتريين وقام مقامه في القد حتى أدى فكاكه‏.‏

ومن العجب ما ذكر أن قوماً نزلوا عند قبر حاتم وباتوا هناك وفيهم رجل يقال له أبو الخيبري يقول طول ليله‏:‏ يا حفر اقر أضيافك‏!‏ فقيل له‏:‏ مهلاً ما تكلم من رمة بالية‏!‏ فقال‏:‏ إن طيئاً يزعم أنه لم ينزل به أحد إلا قراه‏!‏ فلما نام رأى في نومه كأن حاتماً جاء ونحر راحلته فلما أصبح جعل يصيح‏:‏ وا راحلتاه‏!‏ فقال أصحابه‏:‏ ما شأنها قال‏:‏ عقرها حاتم بسيفه والله وأنا أنظر إليها حتى عقرها‏!‏ فقالوا‏:‏ لقد قراك‏!‏ فظلوا يأكلونها واردفوه فاستقبلهم في اليوم الثاني راكب قارن جملاً فإذا هو عدي بن حاتم فقال‏:‏ أيكم أبو الخيبري قالوا‏:‏ هذا‏.‏

فقال‏:‏ إن أبي جاني في النوم وذكر شتمك إياه وأنه قد قرى براحلتك أصحابك وقال في ذلك أبياتاً وهي هذه‏:‏ أبا الخيبريّ وأنت امرؤ حسود العشيرة شامها لماذا عمدت إلى رمّةٍ بدوّيّةٍ صخبٍ هامها تبغي أذاها وإعسارها وحولك غوثٌ وأنعامها وإنّا لنطعم أضيافنا من الكوم بالسّيف نعتامها وأمرني ببعير لك فدونكه‏!‏ فأخذه وركبه وذهب مع أصحابه‏.‏

وقال ابن دارة لما مدح عدياً‏:‏ أبوك أبو سفّانة الخير لم يزل لدن شبّ حتّى مات في الخير راغبا قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ولم يقر قبرٌ قبله قطّ راكبا ارام مدينة بأرض هند فيها هيكل فيه صنم مضطجم يسمع منه في بعض الأوقات صفير فيرى قائماً فإذا فعل ذلك كان دليلاً على الرخص والخصب في تلك السنة وإن لم يفعل يدل على الجدب والناس يمتارون من المواضع البعيدة ذكره صاحب تحفة الغرائب‏.‏

 البحرين

ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر بها مغاص الدر ودره أحسن الأنواع وينتقل إليها قفل الصدف في كل سنة من مجمع البحرين يحمل الصدف بالدر بمجمع البحرين ويأتي إلى البحرين ويستوي خلقه ها هنا وإذا وصل قفل الصدف يهنيء الناس بعضهم بعضاً وليس لأحد من الملوك مثل هذه الغلة ومن سكن بالبحرين يعظم طحاله وينتفخ بطنه ولهذا قال الشاعر‏:‏ ومن سكن البحرين يعظم طحاله ويعظم فيها بطنه وهو جائع وبها نوع من البسر من شرب من نبيذه وعليه ثوب أبيض صبغه عرقه حتى كأنه ثوب أحمر‏.‏ينسب إليها القرامطة أبو سعيد وأبو طاهر خالفوا ملة الإسلام وقتلوا الحجاج ونهبوا سلب الكعبة وخروجهم سنة خمس وسبعين ومائتين في عهد المعتمد بن المتوكل وقلعوا الحجر الأسود وأخذوه وبعث إليهم الخليفة العباس بن عمرو الغنوي في عسكر كثيف قتلوا الجميع وأسروا العباس ثم أطلقوه وحده حتى يخبر الناس بما جرى عليهم والحجر الأسود بقي عندهم سنين حتى اشتراه المطيع بالله بأربعة وعشرين ألف دينار ورده إلى مكانه‏.‏

حكي أن بعض القرامطة قال لبعض علما الإسلام‏:‏ عجبت من عقولكم‏!‏ بذلتم مالاً كثيراً في هذا الحجر فما يؤمنكم انا ما أمسكناه ورددنا إليكم غيره فقال العالم‏:‏ لنا في ذلك علامة وهي أنه يطفو على الماء ولا يرسب‏!‏ فألقمه الحجر‏.‏

 بدر

موضع بين مكة والمدينة بها الواقعة المباركة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين وحضر فيها الملائكة والجن والانس والمسلمون كلهم‏.‏

وبها بئر ألقي فيها قتلى المشركين فدنا منها رسول الله عليه السلام وقال‏:‏ يا عتبة يا شيبة هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فقيل‏:‏ يا رسول الله هل يسمعون كلامنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

 تبت

بلاد متاخمة للصين من إحدى جهاته وللهند من أخرى مقدار مسافتها مسيرة شهر بها مدن وعمارات كثيرة ولها خواص عجيبة في هوائها ومائها وأرضها من سهلها وجبلها ولا تحصى عجائب أنهارها وثمارها وآبارها‏.‏

وهي بلاد تقوى بها طبيعة الدم فلهذا الغالب على أهلها الفرح والسرور فلا يزال الإنسان بها ضاحكاً فرحاً لا يعرض له الهم والحزن ولا يكاد يرى بها شيخ حزين أو عجوز كئيبة بل الطرب في الشيوخ والكهول والشبان عام حتى يرى ذلك في وجه بهائمهم أيضاً وفي أهلها رقة طبع وبشاشة وأريحية تبعث على كثرة استعمال الملاهي وأنواع الرقص حتى ان أحدهم لو مات لا يدخل أهله كثير حزن‏.‏

وبها معدن الكبريت الأحمر الذي في الدنيا قليل من ظفر به فقد ظفر بمراده‏.‏

وبها جبل السم وهو جبل من مر به يضيق نفسه فإما يموت أو يثقل لسانه‏.‏

وبها ظباء المسك وانها في صورة ظباء بلادنا إلا أن لها نابين كنابات الخنازير وسرتها مسك ولكن مسك ظباء تبت أحسن أنواع المسك لأن ظباءها ترعى النسبل وأهل تبت لا يتعرضون للمسك حتى ترميه الغزال وذلك أنه يجتمع الدم في سرتها مثل الخراج فإذا تم ذلك الخراج تأخذ الغزال شبه الحكة فإذا رأت حجراً حاداً تحك به سرتها والدم ينفجر منها والغزال تجد بذلك لذة فتحك حتى تنصب المادة كلها من السرة وتقع على ذلك الحجر وأهل تبت يتبعون مراعيها فإذا وجدوا تلك المادة المنفجرة على الحجر أخذوها وأودعوها النوافج فإنها أحسن أنواع المسك لبلوغ نضجه وإن ذلك يكون عند ملوكهم يتهادون به قل ما يقع منه بيد التجار‏.‏

وبها فارة المسك وهي دويبة تصاد وتشد سربها شداً وثيقاً فيجتمع فيها الدم ثم يذبحونها ويقورون سرتها ويدفنونها في وسط الشعير أياماً فيجمد الدم فيها فيصير مسكاً ذكياً بعدما كان نتن الرائحة وهي أحسن أنواع المسك وأعزها وأيضاً في بيوتهم جرذان سود لها رائحة المسك ولا يحصل من سرتها شيء ينتفع به‏.‏

وأهل تبت ترك من نسل يافث بن نوح عليه السلام وبها قوم من حمير من نسل من حملهم إليها في زمن التبابعة‏.‏

 تكناباذ

ناحية من أعمال قندهار في جبالها حجر إذا ألقي على النار ونظر إليه شيء من الحيوان ينتفخ بدنه حتى يصير ضعف ما كان‏.‏حكى لي الأمير حسام الدين أبو المؤيد نعمان أن تلك الخاصية في المرة الأولى كراكب البحر فإنه في المرة الأولى يغشاه الدوار والغشيان وبعد ذلك لا يكون شيء من ذلك‏.‏

وقال الأمير أبو المؤيد‏:‏ حضرت عند بعض الأمراء بتلك الديار فأحضر عندنا مجمرة عليها عود فرأيت وجه من كان قاعداً عندي انتفخ وشخصت عيناه وتغير عليه الحال وتهوع فأمر أم المثوى بإزالة المجمرة متبسماً فرجع صاحبي إلى حاله‏!‏ قلت له‏:‏ ما الذي دهمك فإني رأيت منك على صفة كذا فقال لي‏:‏ وأنا أيضاً رأيت منك مثل ما رأيت مني‏!‏ فأخبرتنا أم المثوى أن هذا من خاصية هذا الحجر وأنا أردت أن أريكم شيئاً عجيباً‏.‏

 جاجلى

مدينة بأرض الهند حصينة جداً على رأس جبل مشرف نصفها على البحر ونصفها على البر‏.‏

قالوا‏:‏ ما امتنع على الإسكندر شيء من بلاد الهند إلا هذه المدينة‏.‏

قال مسعر بن المهلهل‏:‏ أهل هذه المدينة كلها من الكواكب يعظمون قلب الأسد ولهم بيت رصد وحساب ومعرفة بعلم النجوم‏.‏

وعمل الوهم في طباعهم إذا أرادوا حدوث حادث صرفوا همتهم إليه وما زالوا به حتى حدث‏.‏حكي أن بعض ملوكهم بعث إلى بعض الأكاسرة هدايا فيها صندوقان مقفلان فلما فتحوهما كان في كل صندوق رجل قيل‏:‏ من أنتما قالا‏:‏ نحن إذا أردنا شيئاً صرفنا همتنا إليه فيكون‏.‏

فاستنكروا ذلك فقالا‏:‏ إذا كان للملك عدو لا يندفع بالسيف فنحن نصرف همتنا إليه فيموت‏!‏ فقالوا لهما‏:‏ اصرفا همتكما إلى موتكما‏.‏

قالا‏:‏ اغلقوا علينا الباب فأغلقوا ثم عادوا إليهما فوجدوهما ميتين فندموا على ذلك وعلموا أن قولهما صحيح‏.‏

وبهذه المدينة شجرة الدارصيني وهي شجر حر لا مالك له‏.‏

وأهل هذه المدينة لا يذبحون الحيوان ولا يأكلون السمك ومأكولهم البر والبيض‏.‏

جزيرة برطاييل جزيرة قريبة من جزائر الزانج قال ابن الفقيه‏:‏ سكانها قوم وجوههم كالمجان المطرقة وشعورهم كأذناب البراذين وبها الكركدن وبها جبال يسمع منها بالليل صوت الطبل والدف والصياح المزعجة والبحريون يقولون‏:‏ إن الدجال فيها ومنها يخرج‏.‏

وبها القرنفل ومنها يجلب وذلك أن التجار ينزلون عليها ويضعون بضائعهم وأمتعتهم على الساحل ويعودون إلى مراكبهم ويلبثون فيها فإذا أصبحوا ذهبوا إلى أمتعتهم فيجدون إلى جانب كل شيء من البضاعة شيئاً من القرنفل فإن رضيه أخذه وترك البضاعة وإن أخذوا البضاعة والقرنفل لم تقدر مراكبهم على السير حتى يردوا أحدهما إلى مكانه وإن طلب أحدهم الزيادة فترك البضاعة فترك البضاعة والقرنفل فيزاد له فيه‏.‏

وحكى بعض التجار أنه صعد هذه الجزيرة فرأى فيها قوماً مرداً وجوههم كوجوه الأتراك وآذانهم مخرمة ولهم شعورهم على زي النسا فغابوا عن بصره ثم إن التجار بعد ذلك أقاموا يترددون إليها ويتركون البضائع على الساحل فلم يخرج إليهم شيء من القرنفل فعلموا أن ذلك بسبب نظرهم إليهم ثم عادوا بعد سنين إلى ما كانوا عليه‏.‏

ولباس هذا القوم ورق شجر يقال له اللوف يأكلون ثمرتها ويلبسون ورقها‏.‏

ويأكلون حيواناً يشبه السرطان وهذا الحيوان إذا أخرج إلى البر صار حجراً صلداً وهو مشهور يدخل في الاكحال ويأكلون السمك والموز والنارجيل والقرنفل وهذا القرنفل من أكله رطباً لا يهرم ولا يشيب شعره‏.‏

 جزيرة

جابة جزيرة في بحر الهند فيها قوم شقر وجوههم على صدورهم‏.‏

وبها جبل عليه نار عظيمة بالليل ودخان عظيم بالنهار ولا يقدر أحد على الدنو منه وبها العود والنارجيل والموز وقصب السكر‏.‏

 جزيرة سقطرى

جزيرة عظيمة فيها مدن وقرى توازي عدن يجلب منها الصبر ودم الأخوين أما الصبر فصمغ شجرة لا توجد إلا في هذه الجزيرة وكان أرسطاطاليس كاتب الإسكندر يوصيه في أمر هذه الجزيرة لأجل هذا الصبر الذي فيه منافع كثيرة سيما في الايارجات فأرسل الإسكندر جمعاً من اليونانيتين إلى هذه الجزيرة فغلبوا من كان فيها من الهند وسكنوها‏.‏

فلما مات الإسكندر وظهر المسيح عليه السلام تنصروا وبقوا على التنصر إلى هذا الوقت وهم نسل الحكماء اليونانيين وليس في الدنيا والله أعلم قوم من نسل اليونانيتين يحفظون أنسابهم غير أولئك ولا يداخلون فيها غيرهم‏.‏

وطول هذه الجزيرة نحو ثمانين فرسخاً وفيها عشرة آلاف مقاتل نصارى‏.‏

 جزيرة السلامط

جزيرة في بحر الهند يجلب منها الصندل والسنبل والكافور‏.‏

وبها مدن وقرى وزروع وثمار وفي بحرها سمكة إذا أدركت ثمار أشجار هذه الجزيرة تصعد السمكة أشجارها وتمص ثمارها مصاً ثم تسقط كالسكران فيأتي الناس يأخذونها‏.‏

وحكى صاحب تحفة الغرائب‏:‏ أن بهذه الجزيرة عيناً فوارة يفور الماء منها وينزل في ثقبة بقربها فما يبقى من الرشاشات على أطرافها ينعقد حجراً صلداً فما كان من الرشاشات في اليوم يصير حجراً أبيض وما كان في الليل يصير حجراً أسود‏.‏

 جزيرة سيلان

جزيرة عظيمة بين الصين والهند‏.‏

دورتها ثمانمائة فرسخ وسرنديب داخل فيها وبها قرى ومدن كثيرة وعدة ملوك لا يدين بعضهم لبعض والبحر عندها يسمى شلاهط ويجلب منها الأشياء العجيبة‏.‏

وبها الصندل والسنبل والدارصيني والقرنفل والبقم وسائر العقاقير وقد يوجد من العقاقير ما لا يوجد في غيرها وقيل‏:‏ بها معادن الجواهر وانها جزيرة كثيرة الخير‏.‏

 جزيرة الشجاع

جزيرة عامرة واسعة بها قرى ومدن وجبال وأشجار ولبلدانها أسوار عالية ظهر فيها شجاع عظيم يتلف مواشيهم وكان الناس منه في شدة شديدة فجعلوا له كل يوم ثورين وظيفة ينصبونهما قريباً من موضعه وهو يقبل كالسحاب الأسود وعيناه تقدان كالبرق الخاطف والنار تخرج من فيه فيبلع الثورين ويرجع إلى مكانه وإن لم يفعلوا ذلك قصد بلادهم وأتلف من الناس والمواشي والمال ما شاء الله فشكا أهل هذه الجزيرة إلى الإسكندر فأمر بإحضار ثورين وسلخهما وحشا جلدهما زفتاً وكبريتاً وكلساً وزرنيخاً وكلاليب حديد وجعلهما مكان الثورين على العادة فجاء الشجاع وابتلعهما واضطرم الكلس في جوفه وتعلقت الكلاليب بأحشائه فرأوه ميتاً فاتحاً فاه ففرح الناس بموته‏.‏

 جزيرة القصر

في بحر الهند ذكروا أن فيها قصراً أبيض يتراءى للمراكب فإذا رأوا ذلك تباشروا بالسلامة والربح‏.‏

قيل‏:‏ إنه قصر شاهق لا يدرى ما في داخله وقيل‏:‏ فيها أموات وعظام كثيرة وقيل‏:‏ إن بعض ملوك العجم سار إليها فدخل القصر بأتباعه فوقع عليهم النوم وخدرت أجسامهم فبادر بعضهم إلى المراكب وهلك الباقون‏.‏

وحكي أن ذا القرنين رأى في بعض الجزائر أمة رؤوسهم رؤوس الكلاب وأنيابهم خارجة من فيهم‏.‏

خرجوا إلى مراكب ذي القرنين وحاربوها فرأى نوراً ساطعاً فإذا هو قصر مبني من البلور الصافي وهؤلاء يخرجون منه فأراد النزول عليه فمنعه بهرام الفيلسوف الهندي وعرفه ان من دخل هذا القصر يقع عليه النوم والغشي ولا يستطيع الخروج فيظفر به هؤلاء والبحر لا تحصى عجائبه‏.‏

 الحجاز

حاجز بين اليمن والشام وهو مسيرة شهر قاعدتها مكة حرسها الله تعالى لا يستوطنها مشرك ولا ذمي كانت تقام للعرب بها أسواق في الجاهلية كل سنة فاجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم وما كان لهم من الأيام ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا‏.‏

وكانت العرب إذا أرادت الحج أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوماً من ذي القعدة ثم تنتقل إلى سوق ذي المجار فتقيم فيه إلى الحج والعرب اجتمعوا في هذه المواسم فإذا رجعوا إلى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا‏.‏

عن ابن عباس رضي الله عنه ان وفد اياد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم‏:‏ أيكم يعرف قس بن ساعدة قالوا‏:‏ كلنا نعرفه‏.‏

قال‏:‏ ما فعل قالوا‏:‏ هلك‏!‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام على حمل أورق وهو يخطب الناس ويقول‏:‏ أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبراً‏:‏ سحائب تمور ونجوم تغور في فلك يدور‏.‏

ويقسم قس قسماً ان لله ديناً هو أرضى من دينكم هذا‏!‏ ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ارضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا ثم قال‏:‏ أيكم يروي شعره فقال أبو بكر‏:‏ أنا أحفظه يا رسول الله فقال‏:‏ هات فأنشد‏:‏ في الذّاهبين الأوّلين من القرون لنا بصائر لمّا رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر لا يرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر قال ابن عباس رضي الله عنه‏:‏ ذكر قس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ رحم الله قساً إني لأرجو أن يأتي أمة واحدة‏.‏

حكى رجل من ثقيف انه رأى بسوق عكاظ رجلاً قصير القامة على بعير في حجم شاة وهو يقول‏:‏ أيها الناس هل فيكم من يسوق لنا تسعاً وتسعين ناقة ينطلق بها إلى أرض وبار فيؤديها إلى حماله صبار قال‏:‏ فاجتمع الناس عليه يتعجبون منه ومن كلامه وبعيره‏.‏

فلما رأى ذلك عمد إلى بعيره وارتفع في الهواء ونحن ننظر إليه إلى أن غاب عن أعيننا‏.‏

ويكثر لأهل الحجاز الجذام لفرط الحرارة يحرق أخلاطهم فيغلب على مزاجهم السوداء سوى أهل مكة فإن الله كفاهم ذلك‏.‏

وبها أشجار عجيبة كالدوم وهو شجر المقل قيل‏:‏ إنها شجر النارجيل في غير الحجاز والعنم ولها ثمرة طويلة حمراء تشبه أصابع العذارى والاسحل شجر المساويك والكنهبل والبشام قالوا‏:‏ هو شجر البلسان بمصر والرتم والضال والسمر والسلع‏.‏

وبها جبل الحديد وهو في ديار بجيلة ويسمى جبل الحديد إما لصلابة حجره أو لأنه معدن الحديد‏.‏

أسرت بجيلة تأبط شراً فاحتال عليهم حيلة عجيبة وذاك أن تأبط شراً وعمرو بن براق والشنفرى خرجوا يرون بجيلة فبدرت بهم بجيلة فابتدر ستة عشر غلاماً من سرعانهم وقعدوا على ما لهم وأنذر تأبط شراً بخروج القوم لطلبة فشاور صاحبيه فرجعوا إلى قلة هذا الجبل وإنه شاهق مشمخر وأقاموا حتى يضجر القوم وينصرفوا فلما كان اليوم الثالث قالا لتأبط شراً‏:‏ رد بنا وإلا هلكنا عطشاً‏!‏ فقال لهما‏:‏ البثا هذا اليوم فما للقوم بعد اليوم مقام‏.‏

فأبيا وقالا له‏:‏ هلكنا فرد بنا وفينا بقية‏.‏

قال‏:‏ هبطا‏.‏

فلما قربوا من الماء أصغى تأبط شراً وقال لصاحبيه‏:‏ إني لأونس وحبيب قلوب الرصد على الماء‏!‏ قالا‏:‏ وجيب قلبك يا تأبط‏!‏ قال‏:‏ كلا ما وجب وما كان وجاباً ولكن رد يا عمرو واستنقض الموضع وعد إلينا‏.‏

فورد وصدر ولم ير أحداً فقال‏:‏ ما على الماء أحد‏.‏

فقال تأبط شراً‏.‏

بلى ولكنك غير مطلوب‏.‏

ثم قال‏:‏ رد يا شنفرى واستنقض الموضع وعد‏.‏

فورد الشنفرى وشرب وصدر وقال‏:‏ ما رأيت على الماء أحداً‏.‏

قال تأبط شراً‏:‏ بلى ما يريد القوم غيري‏!‏ فسر يا شنفرى حتى تكون من خلفهم بحيث لا يرونك وأنت تراهم فإني سأرد فأؤخذ وأكون في أيديهم فابدلهم يا عمرو حتى يطمعوا فيك فإذا اشتدوا عليك ليأخذوك وبعدوا عني فابدر يا شنفرى حل عني وموعدنا قلة جبل الحديد حيث كنا وورد تأبط شراً وشرب الماء فوثب عليه القوم وأخذوه وشدوا وثاقه فقال تأبط شراً‏:‏ يا بجيلة إنكم لكرام فهل لكم أن تمنوا علي بالفداء وعمرو بن براق فتى فهم وجميلها على أن تأسرونا أسر الفداء وتؤمنونا من القتل ونحن نحالفكم ونكون معكم على أعدائكم وينشر هذا من كرمكم بين أحياء العرب قالوا‏:‏ أين عمرو قال‏:‏ ها هو معي قد أخره الظمأ فلم يلبث حتى أشرف عمرو في الليل فصاح به تأبط شراً‏:‏ يا عمرو إنك لمجهود فهل لك أن تمكن من نفسك قوماً كراماً يمنون عليك بالفداء قال عمرو‏:‏ أما دون أن أجرب نفسي فلا‏.‏

ثم عدا فلا ينبعث فقال تأبط شراً‏:‏ يا بجيلة دونكم الرجل فإنه لا بصر له على السعي وله ثلاث لم يطعم شيئاً‏!‏ فعدوا في أثره فأطمعهم عمرو عن نفسه حتى أبعدهم وخرج الشنفرى وحل تأبط شراً وخرجا يعدوان ويصيحان‏:‏ يعاط يعاط‏!‏ وهي شعار تأبط شراً فسمع عمرو أنه نجا واستمر عدواً وفات أبصارهم واجتمعوا على قلة الجبل ونجوا ثم عادوا إلى قومهم فقال تأبط شراً في تلك العدوة‏:‏ يا طول ليلك من همٍّ وإبراق ومرّ طيف على الأهوال طرّاق تسري على الأين والحبّاب مختفياً أحبب بذلك من سارٍ على ساق لتقرعنّ عليّ السّنّ من ندمٍ إذا تذكّرن مني بعض أخلاق نجوت فيها نجاتي من بجيلة إذ رفعت للقوم يوم الرّوع أرفاقي لمّا تنادوا فأغروا بي سراعهم بالعيلتين لدى عمرو بن برّاق لا شيء أسرع مني ليس ذا عذرٍ ولا جناح دوين الجوّ خفّاق أو ذي حيودٍ من الأروى بشاهقةٍ وأمّ خشفٍ لدى شثٍّ وطبّاق وقلّةٍ كشباة الرّمح باسقةٍ ضحيانةٍ في شهور الصّيف مخراق بادرت قلتّها صحبي وقد لعبوا حتى نميت إليها قبل إشراق ولا أقول إذا ما خلّةٌ صرمت‏:‏ يا ويح نفسي من جهدي وإشفاقي‏!‏ لكنّما عولي إن كنت ذا عولٍ على ضروبٍ بحدّ السّيف سبّاق سبّاق عاديةٍ فكّاك عانيةٍ قطّاع أوديةٍ جوّاب آفاق‏!‏ وبها جبل رضوى وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية يرى من البعد أخضر وبه مياه وأشجار كثيرة زعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية مقيم به وهو حي بين يدي أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل ويعود بعد الغيبة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وهو المهدي المنتظر وإنما عوقب بهذا الحبس لخروجه على عبد الملك بن مروان وقلبه على يزيد بن معاوية وكان السيد الحميري على هذا المذهب ويقول في أبيات‏:‏ ألا قل للوصيّ‏:‏ فدتك نفسي‏!‏ أطلت بذلك الجبل المقاما ومن جبل رضوى يقطع حجر المسن ويحمل إلى البلاد‏.‏

وبها جبل السراة قال الحازمي‏:‏ إنها حاجزة بين تهامة واليمن وهي عظيمة الطول والعرض والامتداد ولهذا قال الشاعر‏:‏ قال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ أفصح الناس أهل السروات أولها هذيل ثم بجيلة ثم الأزد أزد شنوءة‏.‏

وإنها كثيرة الأهل والعيون والأنهار والأشجار وبأسفلها أودية تنصب إلى البحر وكل هذه الجبال تنبت القرظ وفيها الأعناب وقصب السكر والاسحل وفيه معدن البرام يحمل منه إلى سائر البلاد‏.‏

وبها جبل قنا وهو جبل عظيم شامخ سكانه بنو مرة من فزارة وحظ صاحبة قنا مشهور قال الشاعر‏:‏

أصبت ببرّةٍ خيراً كثيراً ** كأخت قنا به من شعر شاعر

وهو ما ذكر أن نصيباً الشاعر اجتاز بقنا ووقف على باب يستسقي فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء وسقته وقالت له‏:‏ شبب بي‏!‏ فقال لها‏:‏ ما اسمك قالت‏:‏ هند‏.‏

فأنشأ يقول‏:‏

أحبّ قناً من حبّ هندٍ ولم أكن ** أبالي أقرباً زاده الله أم بعدا

أروني قناً أنظر إليه فإنّني ** أحبّ قناً إنّي رأيت به هندا‏!‏

فشاع هذا الشعر وخطبت الجارية وأصابت خيراً بسبب شعر نصيب‏.‏

وبها جبل يسوم في بلاد هذيل قرب مكة لا يكاد أحد يرتقيه ولا ينبت غير النبع والشوحط تأوي إليه قرود تفسد قصب السكر في جبال السراة وأهل جبال السراة من تلك القرود في بلاء وفي الأمثال‏:‏ الله أعلم بمن حطها عن رأس يسوم قيل‏:‏ إن رجلاً نذر ذبح شاة فمر بيسوم فرأى فيه راعياً فاشترى منه شاةً وأنزلها من الجبل وأمر الراعي بذبحها وتفريقها عنه وولى‏.‏

فقيل له‏:‏ إن الراعي يذبحها لنفسه‏!‏ فقال‏:‏ الله اعلم بمن حطها عن رأس يسوم‏.‏

وبها عين ضارج عين في برية مهلكة بين اليمن والحجاز في موضع لا مطمع للماء فيه‏.‏

حدث إبراهيم بن إسحاق الموصلي أن قوماً من اليمن أقبلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضلوا الطريق ومكثوا ثلاثاً لم يجدوا ماء وأيسوا من الحياة إذ أقبل راكب على بعير له وكان بعضهم ينشد‏:‏ ولما رأت أن الشّريعة همّها وأنّ البياض من فرائصها دامي تيمّمت العين التي عند ضارجٍ يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي فقال الراكب‏:‏ من قائل هذا الشعر قالوا‏:‏ امرؤ القيس‏.‏

قال‏:‏ والله ما كذب‏!‏ هذا ضارج وأشار إليه فحثوا على ركبهم فإذا ماء عذب وعليه العرمض والظل يفيء عليه فشربوا ريهم وحملوا ما اكتفوا فلما أتوا رسول الله قالوا‏:‏ يا رسول الله أحيانا الله ببيتين من شعر امريء القيس وأنشدوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسي في الآخرة خامل فيها يجيء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء إلى النار‏.‏وبها عين المشقق‏.‏

 المشقق

اسم واد بالحجاز وكان به وشل يخرج منه ماء يروي الراكبين أو الثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك‏:‏ من سبقنا الليلة إليه فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتيه‏.‏

فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه النبي عليه السلام لم ير فيه شيئاً فقال‏:‏ أولم أنهكم أن تستقوا منه شيئاً ثم تزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده من الماء فنضحه به ومسحه بيده المباركة ودعا بما شاء أن يدعو ربه فانخرق من الماء ما سمع له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لئن بقيتم أو بقي أحد منكم ليسمعن بهذا الوادي وهو أخضر ما بين يديه وما خلفه وكان كما قال صلى الله عليه وسلم‏.‏

الحجر ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام قال الاصطخري‏:‏ هي قرية من وادي القرى على يوم بين جبال بها كانت منازل ثمود الذين قال الله تعالى فيهم‏:‏ وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين‏.‏

قال‏:‏ رأيتها بيوتاً مثل بيوتنا في جبال تسمى الاثالث وهي جبال إذا رآها الرائي من بعد ظنها متصلة فإذا توسطها رأى كل قطعة منها منفردة بنفسها يطوف بكل قطعة منها الطائف بها بئر ثمود التي كان شربها بين القوم وبين الناقة ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتى على منازل ثمود وأرى أصحابه الفج الذي كانت الناقة منه ترد الماء وأراهم ملتقى الفصيل في الجبل وقال عليه السلام لأصحابه‏:‏ لا يدخلن أحدكم القرية ولا يشربن من مائها ولا يتوضأ منه وما كان من عجين فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئاً ولا يخرج الليلة أحد إلا مع صاحبه‏.‏

ففعل الناس ذلك إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لطلب بعير له والآخر لقضاء حاجته فالذي خرج لحاجته أصابه جنون والذي خرج لطلب البعير احتملته الريح فأخبر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ألم أنهكم أن يخرج أحد إلا مع صاحبه فدعا لمن أصابه جنون فشفي وأما الذي احتملته الريح فأهدته طيء إلى رسول الله عليه السلام بعد عوده إلى المدينة‏.‏

فأصبح الناس بالحجر ولا ماء معهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا الله تعالى فأرسل سحابة فأمطرت حتى روي الناس‏.‏